فصل: (سورة الأنفال آية 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأنفال آية 41]:

{وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}
{أَنَّما غَنِمْتُمْ} ما موصولة. و{مِنْ شَيْءٍ} بيانه. قيل: من شيء حتى الخيط والمخيط، {فَأَنَّ لِلَّهِ} مبتدأ خبره محذوف، تقديره: فحق، أو فواجب أن اللّه خمسه. وروى الجعفي عن أبى عمرو، فإن اللّه بالكسر. وتقويه قراءة النخعي: {فللّه خمسه}. والمشهورة آكد وأثبت للإيجاب، كأنه قيل: فلابد من ثبات الخمس فيه، لا سبيل إلى الإخلال به والتفريط فيه، من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات، كقولك: ثابت واجب حق لازم، وما أشبه ذلك، كان أقوى لإيجابه من النص على واحد، وقرئ: {خمسه} بالسكون فإن قلت: كيف قسمة الخمس؟ قلت: عند أبى حنيفة رحمه اللّه أنها كانت في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على خمسة أسهم: سهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وسهم لذوي قرباء من بنى هاشم وبنى المطلب، دون بنى عبد شمس وبنى نوفل، استحقوه حينئذ بالنصرة والمظاهرة، لما روى عن عثمان وجبير بن مطعم رضى اللّه عنهما، أنهما قالا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك اللّه منهم، أرأيت إخواننا بنى المطلب أعطيتهم وحرمتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة: فقال صلى اللّه عليه وسلم: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك بين أصابعه وثلاثة أسهم: لليتامى والمساكين، وابن السبيل. وأمّا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسهمه ساقط بموته، وكذلك سهم ذوى القربى، وإنما يعطون لفقرهم، فهم أسوة سائر الفقراء، ولا يعطى أغنياؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل. وأمّا عند الشافعي رحمه اللّه فيقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين: كعدّة الغزاة من السلاح والكراع ونحو ذلك. وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم، يقسم بينهم الذكر مثل حظ الأنثيين. والباقي للفرق الثلاث. وعند مالك ابن أنس رحمه اللّه: الأمر فيه مفوّض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء، وإن رأى أعطاه بعضهم دون بعض، وإن رأى غيرهم أولى وأهم فغيرهم. فإن قلت: ما معنى ذكر اللّه عز وجل وعطف الرسول وغيره عليه قلت: يحتمل أن يكون معنى للّه وللرسول، لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} وأن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلى وجه من وجوه القرب. وأن يراد بقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} أن من حق الخمس أن يكون متقرّبا به إليه لا غير. ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة، تفضيلا لها على غيرها. كقوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} فعلى الاحتمال الأول مذهب الإمامين. وعلى الثاني ما قال أبو العالية: أنه يقسم على ستة أسهم: سهم للّه تعالى يصرف إلى رتاج الكعبة.
وعنه: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم اللّه تعالى، ثم يقسم ما بقي على خمسة.
وقيل: إن سهم اللّه تعالى لبيت المال، وعلى الثالث مذهب مالك بن أنس. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه أنه كان على ستة أسهم للّه وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض، فأجرى أبو بكر رضى اللّه عنه الخمس على ثلاثة. وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء. وروى أنّ أبا بكر رضى اللّه عنه منع بنى هاشم الخمس وقال: إنما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم، فأما الغنى منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنىّ لا يعطى من الصدقة شيئا، ولا يتيم موسر. وعن زيد بن على رضى اللّه عنه: كذلك قال، ليس لنا أن نبنى منه قصورًا، ولا أن نركب منه البراذين. وقيل: الخمس كله للقرابة. وعن على رضى اللّه عنه أنه قيل له: إنّ اللّه تعالى قال: {وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ} فقال: أيتامنا ومساكيننا.
وعن الحسن رضى اللّه عنه في سهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنه لولى الأمر من بعده.
وعن الكلبي رضى اللّه عنه أنّ الآية نزلت ببدر. وقال الواقدي: كان الخمس في غزوة بنى قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال، على رأس عشرين شهرًا من الهجرة. فإن قلت:
بم تعلق قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ}؟ قلت: بمحذوف يدل عليه وَاعْلَمُوا المعنى: إن كنتم آمنتم باللّه فاعلموا أنّ الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة، وليس المراد بالعلم المجرّد، ولكنه العلم المضمن بالعمل، والطاعة لأمر اللّه تعالى، لأنّ العلم المجرّد يستوي فيه المؤمن والكافر وَما أَنْزَلْنا معطوف على بِاللَّهِ أي إن كنتم آمنتم باللّه وبالمنزل عَلى عَبْدِنا وقرئ {عبدنا} كقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} بضمتين {يَوْمَ الْفُرْقانِ} يوم بدر. و{الْجَمْعانِ} الفريقان من المسلمين والكافرين. والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ {وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يقدر على أن ينصر القليل على الكثير والذليل على العزيز، كما فعل بكم ذلك اليوم.

.[سورة الأنفال آية 42]:

{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)}
{إِذْ} بدل من يوم الفرقان. والعدوة: شط الوادي بالكسر والضم والفتح. وقرئ بهنّ وبالعدية، على قلب الواو ياء، لأنّ بينها وبين الكسرة حاجزًا غير حصين كما في الصبية.
و{الدنيا} و{القصوى}: تأنيث الأدنى والأقصى. فإن قلت: كلتاهما فعلى من بنات الواو، فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو؟ قلت: القياس هو قلب الواو ياء كالعليا. وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل. وقد جاء القصيا، إلا أنّ استعمال القصوى أكثر، كما كثر استعمال استصوب مع مجيء استصاب وأغيلت مع أغالت والعدوة الدنيا مما يلي المدينة، والقصوى مما يلي مكة وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى الركب الأربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل. وأسفل: نصب على الظرف، معناه: مكانا أسفل من مكانكم، وهو مرفوع المحل، لأنه خبر للمبتدإ. فإن قلت: ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين وأن العير كانت أسفل منهم؟ قلت: الفائدة فيه الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدوّ وشوكته، وتكامل عدّته، وتمهد أسباب الغلبة له، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأنّ غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعًا من اللّه سبحانه، ودليلا على أنّ ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوّته وباهر قدرته، وذلك أنّ العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضًا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل، ولا يمشى فيها إلا بتعب ومشقة. وكانت العير وراء ظهور العدوّ مع كثرة عددهم، فكانت الحماية دونها، تضاعف حميتهم وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم. ولهذا كانت العرب تخرج إلى الحرب بظعنهم وأموالهم، ليبعثهم الذب عن الحريم والغيرة على الحرم على بذلك جهيداهم في القتال، وأن لا يتركوا وراءهم ما يحدّثون أنفسهم بالانحياز إليه، فيجمع ذلك قلوبهم ويضبط هممهم ويوطن نفوسهم على أن لا يبرحوا مواطنهم ولا يخلوا مراكزهم، ويبذلوا منتهى نجدتهم وقصارى شدّتهم. وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر، ليقضى أمرًا كان مفعولا من إعزاز دينه وإعلاء كلمته حين وعد المسلمين إحدى الطائفتين مبهمة غير مبينة، حتى خرجوا ليأخذوا الغير راغبين في الخروج، وشخص بقريش مرعوبين مما بلغهم من تعرّض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأموالهم، حتى نفروا ليمنعوا عيرهم، وسبب الأسباب حتى أناخ هؤلاء بالعدوة الدنيا وهؤلاء بالعدوة القصوى ووراءهم العير يحامون عليها، حتى قامت الحرب على ساق وكان ما كان {وَلَوْ تَواعَدْتُمْ} أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال، لخالف بعضكم بعضًا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمين، فلم يتفق لكم من التلاقي في ما وفقه اللّه وسبب له {لِيَقْضِيَ} متعلق بمحذوف، أي ليقضى أمرًا كان واجبًا أن يفعل، وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك. وقوله: {لِيَهْلِكَ} بدل منه. واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام، أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة، لا عن مخالجة شبهة، حتى لا تبقى له على اللّه حجة، ويصدر إسلام من أسلم أيضًا عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به وذلك أن ما كان من وقعة بدر من الآيات الغرّ المحجلة التي من كفر بعدها كان مكابرًا لنفسه مغالطًا لها.
وقرئ: {ليهلك}، بفتح اللام. وحيي، بإظهار التضعيف {لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} يعلم كيف يدبر أموركم ويسوى مصالحكم. أو لسميع عليم بكفر من كفر وعقابه، وبإيمان من آمن وثوابه.

.[سورة الأنفال آية 43]:

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (43)}
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ} نصبه بإضمار اذكر. أو هو بدل ثان من يوم الفرقان، أو متعلق بقوله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك {فِي مَنامِكَ} في رؤياك. وذلك أن اللّه عزّ وجل أراه إياهم في رؤياه قليلا، فأخبر بذلك أصحابه فكان تثبيتًا لهم وتشجيعًا على عدوهم.
وعن الحسن: في منامك في عينك، لأنها مكان النوم، كما قيل للقطيفة: المنامة، لأنه ينام فيها.
وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته {لَفَشِلْتُمْ} لجبنتم وهبتم الإقدام {وَلَتَنازَعْتُمْ} في الرأى، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم، وترجحتم بين الثبات والفرار {وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ} أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} يعلم ما سيكون فيها من الجرأة والجبن والصبر والجزع.

.[سورة الأنفال آية 44]:

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}
{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ} الضميران مفعولان. يعنى: وإذ يبصركم إياهم. و{قَلِيلًا} نصب على الحال، وإنما قللهم في أعينهم تصديقًا لرؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدّوا ويثبتوا. قال ابن مسعود رضى اللّه عنه: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
{وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} حتى قال قائل منهم: إنما هم أكلة جزور. فإن قلت: الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم؟ قلت: قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء، ثم كثرهم فيها بعده ليجترءوا عليهم، قلة مبالاة بهم، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا، وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم، وذلك قوله: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} ولئلا يستعدوا لهم، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أوّلا وكثرتهم آخرًا. فإن قلت: بأى طريق يبصرون الكثير قليلا؟ قلت بأن يستر اللّه عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين. قيل لبعضهم: إن الأحول يرى الواحد اثنين، وكان بين يديه ديك واحد فقال: ما لى لا أرى هذين الديكين أربعة؟

.[سورة الأنفال الآيات 45- 46]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}
{إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً} إذا حاربتم جماعة من الكفار، وترك أن يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار. واللقاء اسم للقتال غالب {فَاثْبُتُوا} لقتالهم ولا تفرّوا {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} في مواطن الحرب مستظهرين بذكره، مستنصرين به، داعين له على عدوكم: اللهم اخذلهم، اللهم اقطع دابرهم {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة. وفيه إشعار بأنّ على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبًا وأكثر ما يكون هما، وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره. وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أيام صفين وفي مشاهده مع البغاة والخوارج- من البلاغة والبيان ولطائف المعاني وبليغات المواعظ والنصائح- دليلا على أنهم كانوا لا يشغلهم عن ذكر اللّه شاغل وإن تفاقهم الأمر {وَلا تَنازَعُوا} قرئ بتشديد التاء {فَتَفْشَلُوا} منصوب بإضمار أن، أو مجزوم لدخوله في حكم النهى، وتدل على التقديرين قراءة من قرأ {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} بالتاء والنصب، وقراءة من قرأ: {ويذهب ريحكم}، بالياء والجزم. والريح: الدولة، شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها، فقيل: هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره. ومنه قوله:
يَا صَاحِبَىَّ ألَا لَاحَىَّ بِالْوَادِى ** إلّا عبِيدٌ قُعُودٌ بَيْنَ أذوَادِ

أتُنْظِرَانِ قَلِيلًا رَيْثَ غَفْلَتِهِمْ ** أمْ تَعْدُوَانِ فَإنَّ الرِّيحَ لِلْعَادِى

وقيل لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها اللّه تعالى. وفي الحديث: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور».